الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
فذكر الذي كان على راس الملك رؤياه التي رآها وذكر يوسف بعد سبع سنين وهو قوله: {وقال الذي نجا منهما وادكر بعد أمة} أي بعد حين انا انبئكم بتأويله فأرسلون فجاء إلى يوسف فقال: {ايها الصديق افتنا في سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر واخر يابسات}.قال يوسف تزرعون سبع سنين دأبا فما حصدتم فذروه في سنبله الا قليلا مما تأكلون أي لا تدوسوه فانه يفسد في طول سبع سنين وإذا كان في سنبله لا يفسد ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدمتم لهن في السبع سنين الماضية قال الصادق عليه السلام انما نزل ما قربتم لهن ثم ياتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون أي يمطرون.وقال أبو عبد الله عليه السلام قرء رجل على امير المؤمنين عليه السلام ثم ياتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون على البناء للفاعل فقال ويحك أي شيء يعصرون يعصرون الخمر؟ قال الرجل يا امير المؤمنين كيف اقرؤها؟ فقال انما نزلت وفيه يعصرون أي يمطرون بعد سني المجاعة والدليل على ذلك قوله: {وانزلنا من المعصرات ماء ثجاجا}.فرجع الرجل إلى الملك فأخبره بما قال يوسف فقال الملك ائتونى به فلما جائه الرسول قال ارجع إلى ربك يعنى إلى الملك فأساله ما بال النسوة اللاتى قطعن ايديهن؟ ان ربى بكيدهن عليم.فجمع الملك النسوة فقال ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه؟ قلن حاش لله ما علمنا عليه من سوء قالت امراة العزيز الآن حصحص الحق انا راودته عن نفسه وانه لمن الصادقين ذلك ليعلم انى لم اخنه بالغيب وان الله لا يهدى كيد الخائنين أي لا اكذب عليه الان كما كذبت عليه من قبل ثم قالت وما ابرئ نفسي ان النفس لامارة بالسوء الا ما رحم ربى.فقال الملك ائتونى به استخلصه لنفسي فلما نظر إلى يوسف قال انك اليوم لدينا مكين امين فاسأل حاجتك قال اجعلني على خزائن الأرض انى حفيظ عليم يعنى الكناديج والانابير فجعله عليها وهو قوله: {وكذلك مكنا ليوسف في الأرض يتبوء منها حيث يشاء}.اقول قوله وقرء الصادق عليه السلام سبع سنابل في رواية العياشي عن ابن أبي يعفور عنه عليه السلام انه قرء سبع سنبلات وقوله عليه السلام انما نزل ما قربتم لهن أي ان التقديم بحسب التنزيل بمعنى التقريب وقوله عليه السلام انما نزلت وفيه يعصرون أي يمطرون أي بالبناء للمفعول ومنه يعلم انه عليه السلام يأخذ قوله يغاث من الغيث دون الغوث وروى هذا المعنى أيضا العياشي في تفسيره عن على بن معمر عن ابيه عن أبى عبد الله عليه السلام.وقوله أي لا اكذب عليه الان كما كذبت عليه من قبل ظاهر في اخذ قوله: {ذلك ليعلم انى لم اخنه بالغيب} إلى آخر الآيتين من كلام امراة العزيز وقد عرفت الكلام عليه في البيان المتقدم.وفي الدر المنثور اخرج الفاريابى وابن جرير وابن أبى حاتم والطبراني وابن مردويه من طرق عن ابن عباس قال: قال رسول الله-صلى الله عليه وآله وسلم-: عجبت لصبر اخى يوسف وكرمه والله يغفر له حيث ارسل إليه ليستفتى في الرؤيا وان كنت انا لم افعل حتى اخرج وعجبت من صبره وكرمه والله يغفر له اتى ليخرج فلم يخرج حتى اخبرهم بعذره ولو كنت انا لبادرت الباب ولكنه احب ان يكون له العذر.اقول وقد روى هذا المعنى بطرق أخرى ومن طرق اهل البيت عليه السلام ما في تفسير العياشي عن ابان عن محمد بن مسلم عن احدهما عليه السلام قال: ان رسول الله-صلى الله عليه وآله وسلم- قال: لو كنت بمنزلة يوسف حين ارسل إليه الملك يسأله عنه رؤياه ما حدثته حتى اشترط عليه ان يخرجني من السجن وعجبت لصبره عن شان امرأة الملك حتى اظهر الله عذره.اقول وهذا النبوى لا يخلو من شيء فان فيه احد المحذورين اما الطعن في حسن تدبير يوسف عليه السلام وتوصله إلى الخروج من السجن وقد احسن التدبير في ذلك فلم يكن يريد مجرد الخروج منه ولا هم لامرأة العزيز ونسوة مصر الا في مراودته عن نفسه والجائه إلى موافقة هواهن وهو القائل: {رب السجن احب الي مما يدعونني إليه} وانما كان يريد الخروج في جو يظهر فيه براءته وتيأس منه امراة العزيز والنسوة ويوضع في موضع يليق به من المكانة والمنزلة.ولذا انبأ وهو في السجن اولا بما هو وظيفة الملك الواجبة اثر رؤياه من جمع الارزاق العامة وادخارها فتوصل به إلى قول الملك ائتونى به ثم لما أمر باخراجه أبى إلى ان يحكم بينه وبين النسوة حكما بالقسط فتوصل به إلى قوله ائتونى به استخلصه لنفسي وهذا احسن تدبير يتصور لما كان يبتغيه من العزة في مصر وبسط العدل والاحسان في الأرض مضافا إلى ما ظهر للملك وملائه في خلال هذه الأحوال من عظيم صبره وعزمه في الأمور وتحمله الاذى في جنب الحق وعلمه الغزير وحكمه القويم.واما الطعن في النبي-صلى الله عليه وآله وسلم- وحاشاه ان يقول انه لو كان مكان يوسف طاش ولم يصبر مع الاعتراف بان الحق كان معه في صبره وهو اعتراف بان من شانه ان لا يصبر فيما يجب الصبر فيه وحاشاه-صلى الله عليه وآله وسلم- ان يامر الناس بشئ وينسى نفسه وقد صبر وتحمل الاذى في جنب الله قبل الهجرة وبعدها من الناس حتى اثنى الله عليه بمثل قوله: {وانك لعلى خلق عظيم}.وفى الدر المنثور أيضا اخرج الحاكم في تاريخه وابن مردويه والديلمي عن انس قال: ان رسول الله-صلى الله عليه وآله وسلم- قرء هذه الآية: {ذلك ليعلم انى لم اخنه بالغيب} قال لما قالها يوسف قال له جبريل يا يوسف اذكر همك قال وما ابرئ نفسي.اقول وهذا المعنى مروى في عدة روايات بالفاظ متقاربة ففى رواية ابن عباس لما قالها يوسف فغمزه جبريل فقال ولا حين هممت بها؟ وفى رواية عن حكيم بن جابر فقال له جبريل ولا حين حللت السراويل؟ ونحو من ذلك في روايات اخر عن مجاهد وقتادة وعكرمة والضحاك وابن زيد والسدى والحسن وابن جريح وأبى صالح وغيرهم.وقد تقدم في البيان السابق ان هذه وامثالها من موضوعات الاخبار مخالفة لنص الكتاب وحاشا مقام يوسف الصديق عليه السلام ان يكذب بقوله لم اخنه بالغيب ثم يصلح ما افسده بغمز من جبريل قال في الكشاف ولقد لفقت المبطلة روايات مصنوعة فزعموا ان يوسف حين قال انى لم اخنه بالغيب قال له جبريل ولا حين هممت بها؟ وقالت له امرأة العزيز ولا حين حللت تكة سراويلك يا يوسف؟ وذلك لتهالكهم على بهت الله ورسوله انتهى.وفي تفسير العياشي عن سماعة قال: سألته عن قول الله: {ارجع إلى ربك} الآية يعنى العزيز. اقول وفى تفسير البرهان عن الطبرسي في كتاب النبوة بالاسناد عن احمد بن محمد ابن عيسى عن الحسن بن على بن الياس قال سمعت الرضا عليه السلام يقول: واقبل يوسف على جمع الطعام في السبع السنين المخصبة فكبسه في الخزائن فلما مضت تلك السنون واقبلت السنون المجدبة اقبل يوسف على بيع الطعام فباعهم في السنة الأولى بالدراهم والدنانير حتى لم يبق بمصر وما حولها دينار ولا درهم الا صار في ملك يوسف.وباعهم في السنة الثانية بالحلى والجواهر حتى لم يبق بمصر وما حولها حلى ولا جواهر الا صار في ملكه وباعهم في السنة الثالثة بالدواب والمواشى حتى لم يبق بمصر وما حولها دابة ولا ماشية الا صار في ملكه وباعهم في السنة الرابعة بالعبيد والاماء حتى لم يبق بمصر وما حولها عبد ولا أمة الا صار في ملكه وباعهم في السنة الخامسة بالدور والفناء حتى لم يبق في مصر وما حولها دار ولا فناء الا صار في ملكه وباعهم في السنة السادسة بالمزارع والانهار حتى لم يبق بمصر وما حولها نهر ولا مزرعة الا صار في ملكه وباعهم في السنة السابعة برقابهم حتى لم يبق بمصر وما حولها عبد ولا حر الا صار عبدا ليوسف.فملك احرارهم وعبيدهم واموالهم وقال الناس ما رأينا ولا سمعنا بملك اعطاه (الله ط) من الملك ما اعطى هذا الملك حكما وعلما وتدبيرا ثم قال يوسف للملك ما ترى فيما خولنى ربى من ملك مصر وما حولها؟ اشر علينا برايك فانى لم اصلحهم لافسدهم ولم انجهم من البلاء ليكون بلاء عليهم ولكن الله انجاهم بيدى قال الملك الرأى رأيك.قال يوسف انى اشهد الله واشهدك ايها الملك انى قد اعتقت اهل مصر كلهم ورددت عليهم اموالهم وعبيدهم ورددت عليك الملك وخاتمك وسريرك وتاجك على ان لا تسير الا بسيرتي ولا تحكم الا بحكمى.قال له الملك ان ذلك توبتي وفخري ان لا اسير الا بسيرتك ولا احكم الا بحكمك ولولاك ما توليت عليك ولا اهتديت له وقد جعلت سلطاني عزيزا ما يرام وانا اشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له وانك رسوله فأقم على (ما ظ) وليتك فانك لدينا مكين امين.اقول والروايات في هذا المقام كثيرة اغلبها غير مرتبطة بغرض تفسير الآيات ولذلك تركنا نقلها. اهـ.
|